أنصار السنة والدستور
أنصار السنة والدستور
==============
جماعة أنصار السنة المحمدية بالسودان، هي جزء من الشعب السوداني بل عضو فاعل فيه، تحنو عليه وترشده للحسنى، وتتفاعل مع قضاياه بإيجابية..
ما نحن بصدده هو محاولات إرساء دستور لجمهورية السودان، ومواقف الجماعة منها.
وقبل أن أذكر مواقف الجماعة الإيجابية، أشير إلى أن المجتمع السوداني لم يهنأ بدستور دائم طيلة حياته السياسية المستقلة، فما من عهد ديمقراطي إلا وجرت فيه محاولات لتأسيس دستور، ولهذا السبب يسمى البرلمان في العهود الديمقراطية [الجمعية التأسيسية]..
وما من انقلاب عسكري إلا وعطل في بيانه الأول الدستور.. وأطلق مراسيم دستورية، ليشترع مراسيم دستورية ثم يضع قانونا أساسيا يطلق عليه دستور جمهورية السودان الدائم..
وهكذا بدأ النزاع بين السودانيين حول الدستور منذ بواكير أيام الاستقلال، حيث تنازع الساسة حول الصبغة العامة للدستور إسلامي أم علماني، وكل فئة تستعرض قواها لفرض رؤاها..
وفي حين تنادت الفئات المتشابهة الأيدلوجيا، وبدأت بتحريك الشارع نصرة لوجهة نظرها؛ تجمعت فئات إسلامية في الجبهة الإسلامية للدستور، وكانت جماعة أنصار السنة المحمدية جزءا من تلك الجبهة منتصف خمسينيات القرن الماضي.
وكانت مشاركة الجماعة مميزة حيث قدم الشيخ محمد هاشم الهدية رحمه الله رحمة واسعة، مسودة دستور كانت مفاجئة حتى للأحزاب التي قامت على أسس إسلامية، وذكر الشيخ رحمه الله أنه استقاها من القرآن الكريم.. [سمعت منه هذه المعلومة في لقاء أجريته معه في الدورة العلمية الثالثة في تسعينيات القرن الماضي وكانت في مسجد الجماعة بالكلاكلة القبة]..
وقدم الشيخ أجزل الله مثوبته مبادرة أخرى لحكومة عبود سماها مذكرة الإصلاح الاجتماعي، قَبِلَها الشق العسكري وتجاهلها الشق المدني من الحكومة، [تأسَّف الشيخ رحمه الله لما سألته عنها بأنه لم يحتفظ بنسخة منها، ومرة سألت موظفا في دار الوثائق فأفادني بأنهم لم يفتحوا وثائق حقبة عبود بعد]..
وبهذه الأعمال الجليلة سنَّ الشيخ رحمه الله سنة التعاطي الإيجابي مع القضايا الوطنية..
وما زالت الجماعة إيجابية في التعامل مع قضايا الوطن، حتى إذا جاءت اتفاقية السلام، التي أفضت لانفصال الجنوب؛ تداعت أصوات منادية بدستور جديد، وكالمعتاد تباينت الرؤى حول صبغته، فتنادى بعض الحادبين مكونين جبهة للدستور، دعي لها الشيخ أبو زيد محمد حمزة رحمه الله وأجزل مثوبته، واختاروه رئيسا في أول جلسة حضرها، وكان معه الأستاذ شيخ الدين التويم فاختاروه رئيسا للجنة الصياغة [على ما أظن]، ولكن الاثنين لم يواصلا في الجبهة لما رأوها تنحوا مناحي سياسية لخدمة أجندات حزبية..
وبهذا الموقف سنَّ الشيخ رحمه الله سنة مفارقة الأعمال ذات الأجندات الخاصة…
ثم سقطت الإنقاذ، وجاءت الحرية والتغيير بوثيقة دستورية كتبت على عجل، ويبدو أن من صاغوها لم تكن لهم دراية كافية بطبيعة الدساتير، بل لم يكن لهم اهتمام بطبيعة الشعب السوداني وقيمه، فجاءت الوثيقة مشوهة في مضمونها [صبغة ليبرالية]، كسيحة في خطواتها [متناقضة ضعيفة آليات النفوذ]، والآن يكاد يطويها النسيان..
ولا أدل على ذلك من سعي من كتبوها لتعديلها منذ أيامها الأولى، وما زالت المبادرات تترى في محاولة لإحلال البديل عن تلك الوثيقة الشائهة الكسيحة، وبرزت معها إلى السطح الاختلافات الأيدلوجية العميقة بين الأحزاب والقوى المجتمعية، ولكن للأسف كسبت الأحزاب اليسارية والليبرالية أحزابا وجماعات يمينية إلى صفها!
وحيال الوثيقة الدستورية الكسيحة لم تقف الجماعة مكتوفة الأيدي، فقد ناهضتها بضراورة لأحساسها بخطورتها على هوية الأمة وقيمها.. فأقامت الندوات.. ونشرت البيانات، وأعدت المذكرات التي تبيّن موقفنا الشرعي منها، وقدمتها لمجلسي السيادة والوزراء..
وكان محرك تلك المواقف الناصحة هو فضيلة الشيخ الدكتور حسن الهواري رئيس المجلس العلمي للجماعة..
وبتلك التحركات سنّت الجماعة سنة سلوك كل السبل، والتوصيل بكل الوسائل المشروعة لإنكار المنكر الذي يستهدف هوية الشعب المسلم…
ربما تكون أبرز المبادرات لإحلال دستور بديل هي مسودة منسوبة لنقابة المحامين، لكنهم حشدوا لها أحزابا وجماعات، ما يعني أنها ليست مجرد مبادرة نقابية، وما قيل من كلمات [المجاملة] في ورشة دار المحامين عن المسودة يوضح صبغتها السياسية ومجافاتها المهنية القانونية..
وقد تمنيت أن تصدر مسودة الدستور من عمداء كليات القانون في السودان، أو من أقسام القانون الدستوري في الجامعات، لأنها ستكون أكثر مهنية، والأفضل من ذلك أن تُعِدَّ المسودة وزارة العدل مستهدية بتوصيات لجنة قومية تؤطرها بتوجيهات عامة.
ما يعنينا حيال من الوثيقة المنسوبة للمحامين: أنها مشروع خطير بكل ما تحمل هذه الكلمة من معنى، لتحويل وجهة البلاد وهويتها، لأن النص على أن الدولة تقف على مسافة واحدة من كل الأديان، هي من أكبر التعديات على هوية البلد، لأن الدولة أبدا لن تقف على مسافة واحدة وإنما [ستلحد] إلى أولياء نعمة من يرفع متبني هذا الدستور إلى سدة الحكم، وسيكون دينُهم دينَهم.. وهمهم محل اهتمامهم..
إن جماعة أنصار السنة المحمدية التي تضع نصب عينيها استقامة المجتمع على الجادة، ومع تعاطيها الإيجابي سابقا ولاحقا مع قضايا الأمة ونصرة السنة، يمنعها إيمانها وتوحيدها من الاقتراب من محاولات طمس هوية البلد..
لا تداهن ولا تجامل لأن الحق أحق أن يتبع، والباطل أحق أن يبتعد عنه، فمن أغرته لعاعات الدنيا الزائلة، وخلبته شعاعات المناصب الزائفة، فقد فارق ما كان عليه الأولون من السلف والآباء المؤسسين، من سنة التعامل مع القضايا العامة مشاركة ومفارقة..
والله مولانا ونعم النصير